كواسي أبياه: الأسطورة الغانية تُعيد كتابة قصة كرة القدم السودانية في ظل الحرب

كتب المدرب الغاني، جيمس كواسي أبياه، العديد من الفصول في كرة القدم الإفريقية، لكن قليل منها يُضاهي الدراما التي يعيشها حاليًا مع السودان، حيث يستعد "صقور الجديان" لمواجهة مدغشقر في نصف نهائي بطولة أمم إفريقيا للمحليين "شان"، توتال إنيرجيز 2024، يوم الثلاثاء 25 أغسطس، في دار السلام.
في ظل الحرب الأهلية التي أجبرت أكثر من 12 مليون شخص على النزوح وجعلت مُدنًا بأكملها في حالة خراب، نجح المدرب البالغ من العمر 64 عامًا في تحويل منتخب السودان في بطولة "شان" توتال إنيرجيز، والمنتخب الأول، "صقور الجديان"، إلى واحدة من أكثر القصص تأثيرًا على الصعيد القاري.
ليس فقط أن السودان وصل إلى نصف النهائي في البطولة، بل تأهل أيضًا إلى كأس أمم إفريقيا، توتال إنيرجيز، 2025 في المغرب، قبل غانا نفسها، بل ويتأخر بفارق نقطة واحدة فقط عن المتصدر، جمهورية الكونغو الديمقراطية، في تصفيات كأس العالم 2026، التي تضم عمالقة القارة السنغال.
يُعد ما حققه المنتخب السوداني شبه معجزة، لأمة توقفت فيها البطولة المحلية، ويعيش لاعبوها حياة صعبة، وتُقام مبارياتهم على في دول مجاورة.
مسيرة من الإنجازات الأولى
بالنسبة للمدرب، أبياه، ليست هذه المرة الأولى التي يحوّل فيها الشدائد إلى انتصار. كلاعب، كان جزءًا من منتخب غانا الفائز بكأس أمم إفريقيا 1982 في ليبيا، حيث أحرز "النجوم السوداء" لقبهم القاري الرابع.
أصبح بعدها أول إفريقي يقود، غانا، إلى كأس العالم 2014 في البرازيل، وكان مُساعدًا في 2010 عندما وصلت غانا إلى ربع نهائي كأس العالم، وهو أفضل أداء إفريقي إلى جانب الكاميرون (1990)، السنغال (2002) والمغرب (2022)، رغم أن المغرب تفوق بعد الوصول إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر.
يترقب، أبياه، على الرغم من هذه الإنجازات، تحقيق المزيد عندما يواجه منتخب مدغشقر في نصف نهائي البطولة المخصصة للاعبين المحليين، رغم أن لاعبيه لا يشاركون حاليًا في الدوري المحلي بسبب الحرب.
قال، أبياه، لموقع "الكاف": "بمجرد دخولك البطولة، يجب أن تسعى للفوز بالكأس. لا أؤمن بالمشاركة لمجرد الحضور. إذا دخلت، يجب أن تذهب بكل قوتك للفوز."
استمر هذا الاعتقاد معه من أكرا إلى الخرطوم، والآن إلى قواعد السودان المؤقتة في السعودية، موريتانيا وليبيا.
مشوار السودان في أحلك الأوقات
أجبرت الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 على تعليق الدوري السوداني. وتم دمج الأندية الكبرى، الهلال والمريخ، مؤقتًا في الدوري الموريتاني لإبقاء اللاعبين في نشاط.
خسر العديد من لاعبي المنتخب السوداني أفراد عائلاتهم بسبب الصراع، بينما انفصل آخرون عن أحبائهم في مخيمات اللاجئين في تشاد وجنوب السودان.
قال، أبياه: "في أغلب الأحيان نتلقى رسائل تفيد بأن أحد الأولاد فقد أحد أقاربه. لكنني دائمًا أذكرهم: أنتم من يمكنهم رسم الابتسامة على وجوه شعبكم. حتى عندما تستمر المعارك، عندما نلعب، أحيانًا تتوقف الأسلحة لأسبوع أو أسبوعين."
الرمزية قوية: كرة القدم كملاذ هش وسط الحرب. وبالنسبة للسودانيين في كل مكان، من أم درمان إلى القاهرة، ومن الشتات في أوروبا وأستراليا، أصبح هذا المنتخب مصدر وحدة وأمل.
إقصاء غانا وتحدي العمالقة
ربما كان أبرز انعطاف في هذا المشوار هو إقصاء السودان لبلده الأصلي، غانا، في تصفيات كأس أمم إفريقيا، توتال إنيرجيز، 2025. فقد انتهت مباراة الذهاب في، أكرا، بالتعادل السلبي، تلاها انتصار مُذهل 2-0 في بنغازي، مؤديًا إلى فشل غانا الأول في التأهل لكأس أمم إفريقيا، توتال إنيرجيز، منذ 20 عامًا.
قال، أبياه: "كمدرب غانى بالطبع شعرت بالحزن، لكن بمجرد أن تكون مُحترفًا، تركز على مكان عملك. مسؤوليتي الآن هي السودان."
تأهل السودان لكأس أمم إفريقيا، توتال إنيرجيز، 2024، جاء بعد حملة عصيبة. رغم خسارة بنتيجة 4-0 أمام النيجر، تعافى السودانيون ليحافظوا على التعادل السلبي أمام أنغولا ويضمنوا المركز الثاني في مجموعته. وأوضح، أبياه، عن الاحتفالات: "الجميع وضع أسلحته جانبًا ورقص في الشوارع."
يبرز مشوار نصف النهائي في بطولة "شان"، توتال إنيرجيز، مرونتهم. فقد كافحوا أمام الجزائر، الوصيف السابق، من أجل التعادل بنتيجة 1-1 قبل الفوز بركلات الترجيح 4-2، مع تصدي الحارس، محمد أبوجا، لركلات حاسمة، ليصبحوا على بعد مباراة واحدة من أول نهائي في تاريخهم بالبطولة.
فلسفة التدريب: الإيمان فوق كل شيء
تتجاوز طرق، أبياه، التكتيك. قال: "أخبر اللاعبين أن يشعروا وكأنهم ميسي أو رونالدو. يجب ألا يقللوا من شأن أنفسهم. أينما لعبنا، سواء بوجود جمهور أم لا، يجب أن نعتبر الملعب وطننا."
رفع تركيزه على الجانب النفسي لاعبين مثل عبد الرزاق طه يعقوب عمر، محمد النور 'أبوجا' آدم سعيد، محمد عبد الرحمن، أبوعقلة عبد الله ورمضان عقاب، ليصبحوا لاعبين مميزين، بينما أضافت مواهب الشتات مثل عبد الرحمن كوكو، الذي تربى في أستراليا ويلعب الآن في ليبيا، عمقًا للمنتخب.
بفضل التربصات التحضيرية في السعودية التي توفر تجهيزات حديثة، أصبح "صقور الجديان" أكثر لياقة، وذكاءً تكتيكيًا وصلابة ذهنية من أي وقت مضى في تاريخهم الحديث.
مهمة أكبر من كرة القدم
يؤمن، أبياه، أن كرة القدم أكثر من مجرد نتائج. وقال لـ BBC Sport Africa: "ربما من خلال كرة القدم، قد تنتهي الحرب يومًا ما."
يبدو هذا مثاليًا، لكن الدليل واضح: جماهير الهلال والمريخ، رغم الخصومات الطويلة، توحدت خلف المنتخب الوطني. ولاجئون في المخيمات يتابعون المباريات عبر شاشات صغيرة، هربًا مؤقتًا من فظائع النزوح.
يصر، أبياه، في كلامه: "كرة القدم هي أحد المفاتيح التي يمكن أن تساعد على إنهاء مثل هذه الحروب."
ألهم نجاحه بالفعل نقاشًا في إفريقيا حول الثقة بالمدربين المحليين، مع الإشارة إليه كدليل على أن المدربين الأفارقة قادرون على النجاح حتى في أصعب الظروف.
الطريق إلى الأمام
يستعد منتخب السودان لمواجهة مدغشقر في نصف نهائي بطولة "شان"، توتال إنيرجيز، ويعتبر المنتخب الوحيد من شرق إفريقيا المتبقي بعد خروج المستضيفين كينيا، تنزانيا وأوغندا في ربع النهائي.
وفي وقت لاحق من هذا العام، سيخوض منتخب السودان مباريات كأس أمم إفريقيا، توتال إنيرجيز، 2025 المغرب، وسيواجه في طريقه الجزائر، بوركينافاسو وغينيا الاستوائية، وقد يصل أيضًا إلى كأس العالم 2026 في أمريكا، وهي مرحلة لم يصلها السودان من قبل.
مهما كانت النتائج المقبلة، فقد خطّ، كواسي أبياه، اسمه بالفعل في أساطير كرة القدم الإفريقية. من بطل إفريقيا 1982، إلى مدرب كأس العالم 2014، إلى صانع المعجزات في 2024–25، وأصبح إرثه مضمون.
وكما قال بنفسه: "بفضل الله، تأهلنا. سنستعد جيدًا ونضمن منتخبا قويًا. أي بطولة ندخلها، هدفنا دائمًا هو الفوز بالكأس."